مقدمة
تتزايد في عصرنا الحالي الأصوات التي تطرح قضية المثلية الجنسية والشذوذ باعتبارها أمراً طبيعياً أو مقبولاً، لكن يبقى موقف الكتاب المقدس ثابتاً وحاسماً. فالكتاب يعلن بوضوح أن هذه الممارسات مرفوضة أمام الله، لأنها انحراف عن قصده الإلهي منذ البدء حين أسس الزواج بين الرجل والمرأة ليكون أساساً مقدساً للعلاقة الإنسانية. في هذا المقال، سنستعرض الأدلة الكتابية التي تبيّن خطورة هذه الأفعال ونتائجها، مع التأكيد على رجاء التوبة والغفران المتاح لكل من يعود إلى الله بقلب صادق.
رأيي الكتاب المقدس عن المثلية
عند مناقشة قضية المثلية الجنسية في ضوء الكتاب المقدس، نرى أن الموقف الكتابي واضح تماماً في رفض هذه الممارسة ووصفها بأنها خطيئة عظيمة لا تليق بشعب الله. ففي العهد القديم، تبرز قصة سدوم وعمورة في سفر التكوين (19: 1 - 29) كواحدة من أوضح الشواهد، حيث أرسل الله ناراً وكبريتاً ليحرق المدينتين ويهلك سكانهما بسبب شرورهم وأفعالهم المنحرفة، وكان من أبرزها ممارسة المثلية. هذه الحادثة لم تُذكر كقصة تاريخية فحسب، بل جاءت لتكون تحذيراً صارخاً لكل الأجيال عن خطورة هذا الطريق.
كما أن الكتاب المقدس لم يقتصر على ذكر هذه القصة وحدها، بل نجد في نصوص أخرى تأكيداً على أن المثلية تُعتبر خطيئة تستوجب العقوبة الشديدة، حيث يشير بعضها إلى أن جزاءها هو الموت. كذلك أطلق الكتاب على هذه الممارسة أوصافاً قوية مثل "رجس" و"فاحشة"، وهي تسميات تعكس فداحة الفعل وقبحه أمام الله. وتوضح النصوص أيضاً أن الذين يتمسكون بمثل هذه الأفعال لن يكون لهم مكان في " ملكوت الله "، بل سيكون نصيبهم الهلاك الأبدي والجحيم، لأنهم رفضوا وصايا الله وساروا في طرق بعيدة عن القداسة.
وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْساً. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. (لا 20: 13).
وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ.(لا 18: 22).
وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. (رو 1: 27 ).
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ. (1 كو 6: 9).
من خلال هذه الآيات يتضح لنا أن موقف الكتاب المقدس من هذه الأفعال صريح وحاسم، إذ يؤكد أن الذين يزعمون انتمائهم إلى المسيحية ويستمرون في ممارسة مثل هذه الخطايا لا يمكن اعتبارهم مسيحيين حقيقيين، لأن غضب الله معلن عليهم بسبب أعمالهم. ومع ذلك، لا يغلق الكتاب المقدس باب الرجاء أمام أي إنسان، فهناك دائماً فرصة للتوبة والرجوع إلى الله. فالشخص الذي سقط في هذه الخطايا مدعو أن يتوب توبة صادقة، وأن يترك هذه الممارسات تماماً ولا يعود إليها مرة أخرى. وعندئذٍ، بنعمة الله العظيمة وبفضل دم المسيح الذي سُفك لأجل غفران الخطايا، ينال الغفران الكامل وتُمحى خطاياه، ويُفتح أمامه طريق جديد للحياة مع الله، "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ." (1 يو 1: 9).
الشذوذ الجنسي: لماذا يرفضه الكتاب المقدس؟
يُظهر الكتاب المقدس رفض الله القاطع للشذوذ الجنسي في عدة مواضع واضحة مثل (لا 20: 13؛ لا 18: 22؛ رو 1: 27؛ 1 كور 6: 9 …الخ). ففي سفر التكوين نجد تأكيداً على أن الإنسان خُلق على صورة الله، وقد خلقه ذكراً وأنثى، وجعل الزواج بين الرجل والمرأة هو الإطار الوحيد الذي يعكس هذه الصورة الإلهية. "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تك 1: 27).
كما أن تعاليم المسيح حول الزواج والأسرة جاءت لتعزيز هذه الحقيقة، حيث أشار إلى أن الزواج هو الرباط المقدس الذي يجمع بين الرجل والمرأة ليشكّل وحدة متكاملة (متى 19: 4-5). ومن خلال هذه التعاليم، يظهر بوضوح أن الله يرفض الشذوذ الجنسي لأنه يناقض قصده الإلهي للزواج والعلاقات الإنسانية، إذ يُقدَّم الزواج في الكتاب المقدس باعتباره الأساس الصحيح لتكوين العائلة، وتُحصر العلاقة الجنسية في هذا الإطار المقدس فقط.
ويُنظر إلى الشذوذ الجنسي على أنه خروج عن الطبيعة التي وضعها الله للبشر. فقد خُلق الإنسان على صورة الله ووُضعت له قوانين إلهية يعيش في إطارها بحسب مشيئته. لذلك يُعتبر الشذوذ الجنسي انحرافاً عن النمط الطبيعي الذي قصده الله منذ البداية، ومخالفة مباشرة للنظام الإلهي الذي أُقيم ليضمن التكامل بين الرجل والمرأة. ولهذا نجد أن الكتاب المقدس يقدّم الزواج كترتيب طبيعي وإلهي ضروري لتحقيق الوحدة، وحفظ العلاقة الصحيحة التي أرادها الله للبشرية.
وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. (تك 2: 22-24).
بالإضافة إلى ذلك، يُنظر في الكتاب المقدس إلى أي علاقة جنسية خارج إطار الزواج، بما في ذلك العلاقات بين أشخاص من نفس الجنس، على أنها تجاوز للحدود التي رسمها الله للبشر. فالزواج بحسب الكتاب المقدس هو الإطار الشرعي والطبيعي للعلاقات الجنسية، وهو الوسيلة التي يحق بها التعبير عن الحب والوحدة بين الرجل والمرأة. "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ." (مت 5: 28).
وبناءً على ذلك، يُعتبر الشذوذ الجنسي خروجاً عن النظام الطبيعي الذي أقره الله، ومخالفة مباشرة للتوجيهات الدينية المقدسة التي وضعها لضمان الحياة العائلية المتكاملة. فكل فعل جنسي خارج إطار الزواج، بما في ذلك العلاقات المثلية، يُصنف على أنه انحراف عن النمط الإلهي والتوازن الذي رغب الله في أن يعيشه الإنسان، ويعد خرقاً للمعايير المقدسة التي أرادها الله لتنظيم العلاقات الإنسانية بطريقة صحيحة ومباركة.
من فضلك لا تدرج التشوهات الخَلقية ضمن الشذوذ
من الضروري تقديم جواب واضح لكل من يحاول تبرير أفعاله المخالفة للطبيعة، بحجة اختلاف ميوله أو وجود مشاكل هرمونية. فمثل هذه الحجج لا تُعفي الشخص من مسؤولية أفعاله أمام الله، ولا تمنحه أي مبرر للانحراف عن المشيئة الإلهية والقوانين التي وضعها الله للإنسان. تماماً كما يعاقب القانون من يرتكب جريمة قتل أثناء غضبه، أو من يقود بسرعة مفرطة تؤدي إلى حوادث، فإن أي سبب أو ظرف لا يُغيّر الحقيقة الأخلاقية والروحية لهذه الأفعال.
البُعد الروحي للشذوذ الجنسي
لا يمكن تجاهل البُعد الروحي لقضية الشذوذ الجنسي، إذ يشير الكتاب المقدس إلى أن للشيطان دوراً خفياً في التأثير على الأفراد، محاولاً دفعهم نحو أفعال مخالفة للأخلاق والمشيئة الإلهية. هذا التأثير الخفي يجعل البعض يسلكون طرقاً بعيدة عن القداسة والصواب، ويبتعدون عن مبادئ الحياة الروحية الصحيحة التي أرادها الله للإنسان. "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ." (1 بط 5: 8). لذلك، يصبح من الضروري توعية الناس وتحذيرهم من الانحراف عن تعاليم الله، وتشجيعهم على التوبة الصادقة والرجوع إلى الطريق المستقيم. فالتمسك بالشريعة الإلهية والعمل بمقتضاها يساعد الإنسان على إعادة بناء علاقته بالله، ويضمن له حياة روحية متوازنة وسليمة. "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا." (يو 14: 23)
الكتاب المقدس يؤكد أن الله يرحب بكل من يعود إليه بقلب صادق، وأن التوبة الحقيقية تمحو الخطايا وتفتح أبواب الغفران، مما يمنح الإنسان فرصة للعيش وفق إرادة الله وتحقيق القداسة في حياته اليومية. "فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ." (أع 3: 19). من هذا المنطلق، يصبح من الضروري تقديم التوجيه الروحي المستمر، وتعليم الأفراد كيف يمكنهم مقاومة التجارب الروحية التي تدفعهم نحو الانحراف، والتمسك بالقيم والمبادئ التي تحفظ حياتهم الروحية والجسدية على حد سواء.
صلاة التوبة
"يا رب يسوع المسيح، أتوجه إليك اليوم بقلب متواضع ومكسور، وأعترف أمامك بأنني قد أخطأت وتجاوزت حدودك المقدسة. أطلب منك يا رب الغفران والتوبة عن كل فعل غير أخلاقي ارتكبته في حياتي. (اذكر اسمك)
أعلم يا رب أنك مصدر الرحمة والمغفرة، وأنك تستقبل كل من يلجأ إليك بإيمان وصدق. أطلب منك أن تغسلني بدمك الثمين، وأن تطهر قلبي من كل ذنوب قد ارتكبتها، وأن تمنحني صفاء الروح ونقاء الفكر.
يا رب يسوع، امنحني القوة لأبتعد عن كل ما يسيء إليك وإلى إخوتي وأخواتي في الإنسانية. أعطني الحكمة والصبر والقوة لأعيش حياتي بما يتوافق مع إرادتك، وأن أسلك في الطريق المستقيم الذي رسمته لي. أنا (ضع اسمك) أرغب في أن أعيش حياة مقدسة وصالحة أمامك، فأرجوك يا يسوع أن تغير قلبي، وتعمل في شخصيتي، ووجّه أفكاري وأفعالي لتكون دائماً متوافقة مع إرادتك. أتوجه إليك بثقة وإيمان كامل، مؤمناً بأنك ستستجيب لصلاتي وتقبل توبتي. أشكرك يا رب على حبك العظيم وغفرانك اللامحدود. آمين."